تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
مشروع الدستور الجزائري | بين الإيجابيات والتطلعات الجماهيرية

د. سبتي سيف الدين/ باحث سياسي وأكاديمي 

  لقد عرفت الجزائر محطات عديدة في إعداد الدساتير والتعديلات الدستورية منذ الإستقلال إلى تعديل 2016، ولكن هذا التعديل عرف نقاط جديدة، و تنوع في مجال الإعداد أو ما يطلق عليه بالإنفتاح و مواكبة المستجدات، بحيث ساهمت اللجنة المختارة من طرف الرئيس الجزائري المنتخب، والمتكونة من نخبة قضائية وكفاءات في المجالات القانونية والدستورية وخبراء ومفكرين وأساتذة، في إعداد المشروع التمهيدي للدستور المستقبلي للجزائر الجديدة.

  ولقد بذلت اللجنة جهود كبيرة نظرا للثقل الموكل إليها ومدى انتظار الشعب الجزائري للوثيقة العليا والأسمى، والتي قد تلبي الطموحات الخاصة بالجماهير وتتدارك السلبيات السابقة بمقترحات إيجابية تخدم الشعب باعتباره أساس السيادة.

  وقد ظهرت عدة إيجابيات في المشروع التمهيدي نذكر منها:

* الخروج عن دائرة التمجيد الشخصي والتنازل عن جزء من السلطة والتوجه نحو صلاحيات نائب الرئيس عن طريق التعيين من طرف القاضي الأول في البلاد، مع تعزيز دور رئيس الحكومة.

* إقرار مدة حالة الطوارئ لرئيس الجمهورية ب 30 يوم ولا تتجدد إلا بموافقة البرلمان، مع إقرار إستثناء ب 60 يوم مع موافقة دائمة للبرلمان في التجديد.

* إقرار التصويت لأعضاء البرلمان بحضور أغلبية الأعضاء، كإجراء لتوسيع صلاحيات الهيئة التشريعية في مجال الرقابة على أداء الجهاز التنفيذي.

* حصر الحصانة البرلمانية وتحديد مجالها وفق العمل البرلماني وتدارك السلبيات السابقة عبر تعديات للبرلمانيين خارج مجال التشريع إلى مجال الجرائم والتعديات السافرة و التستر بعباءة الحصانة البرلمانية.

* عدم إمكانية القاضي الأول في البلاد من التشريع بالأوامر خلال العطلة البرلمانية وحصرها في شغور المجلس الشعبي الوطني، مع ضرورة التقدم للبرلمان وفق مدة محددة.

* إلزام الحكومة بإرفاق مشاريع قوانين بمشاريع النصوص التطبيقية، وتدارك النقائص السابقة كإقرار بعض مشاريع قوانين وعدم تطبيقها لسنوات.

* حياد المؤسسات التربوية و الحفاظ على طابعها البيداغوجي العلمي وعدم إقحام المؤسسة الحساسة في الصراعات الإيديولوجية و السياسية.

* الجماعات الإقليمية للدولة هي البلدية ( الجماعة القاعدية) والولاية، كعناصر قاعدية أساس كل تطور وتنمية، تقوم العلاقات بين الدولة والجماعات الإقليمية على مبادئ اللامركزية وعدم التركيز الإداري.

* أقر التعديل الدستوري مبدأ التصريح لإنشاء الجمعيات ومبدأ عدم حلها إلا بقرار قضائي

* ركز على مشاركة الشباب في الحياة السياسية

* إبعاد وزير العدل والنائب العام من تشكيلة المجلس الأعلى للقضاء

* منع الجمع بين الوظائف العمومية والنشاطات الخاصة والمهن الحرة

* تعزيز دور السلطة العليا للشفافية والوقاية من الفساد ومكافحته مع الإدراج ضمن الهيئات الرقابية، عبارة عن نقاط إستراتيجية مست الحريات العامة بشكل مباشر وإيجابي، وعززت في إضفاء التوازن بين أداء السلطات والتوجه نحو سيادة السلطة القضائية وكذا التركيز على فعالية المحكمة الدستورية والإهتمام بنواحي الشفافية ومكافحة الفساد.

  من جهة أخرى، هناك بعض المقترحات الجماهيرية الواسعة للمشروع التمهيدي للدستور و نذكر منها:

* تعزيز الدور التشريعي لابد أن يكون وفق شروط الإلتحاق بهذه المؤسسة الهامة مع إلزامية الشهادات الخاصة بالبرلماني للمتابعة المنظمة للطابع التشريعي وفهم المجال القانوني، مع دراسة حياة البرلمان من نواحي الإنعقاد والعطل والإستثناء وتعديل مهام اللجان الخاصة ودورها و الرقابة عليها.

* إلغاء الغرفة الثانية في المجال التشريعي

* تسليط الضوء على مزدوجي الجنسية وعلاقتهم بالمناصب العليا والحساسة في الدولة.

* تخصيص بعض البلديات بقوانين خاصة، يجب أن يدخل في مجال للتنافسية و محاولة الخروج من دائرة البيروقراطية والجمود في تحصيل الإيرادات ويفتح الأبواب نحو الإدارة الإلكترونية والحوكمة، وفتح الشراكات و تجسيد منابع مالية خارج مجال الإعانات والتوجه نحو الإستثمار في الثروات والموارد الطبيعية والبشرية، مع الإنضباط بقانون موحد.

  لكن هذا كله يتجسد بقوة الموارد البشرية في التسيير، فعلى السيد وزير الداخلية والجماعات المحلية أن يعمل على تأطير شامل للمسؤولين المحلين لتسيير البرامج الحديثة وكذا تطوير الخدمات العمومية.

  أما المقصود من القوانين الخاصة فلا يعني مثل ما توجه البعض من تفكيك وحدة الإقليم و عدم إحترام مبدأ المساواة، بل يعني التشجيع للتنافسية، و نلتمس من السادة أعضاء اللجنة الكرام أن يضيفوا توضيح أكثر لهاته المادة.

* إرسال الجيش خارج الحدود ومحاولة الدخول في السلام العالمي، وهو توجه سديد ولكن مع الحرص الشديد في التأطير و درجات التداخل، و لأن القيادات العسكرية الجزائرية تميزت بالحنكة والإستراتيجية بعيدة المدى، وكذا برؤية ثاقبة تجلت في أذهان دول العالم من خلال التعامل مع الحراك السلمي وكذا توجه المرحوم القائد صالح والأمن في تسيير المرحلة بأطر سلمية لم يسقط فيها أي شخص طوال مدى الإحتجاجات، عكس الكثير من الدول.

  لهذا فالجانب العسكري الجزائري تميز بإدارة الأزمات وإستراتجية ثابتة، ونثق بقراراته و توجهاته و ندعمه في أي وقت.

* ومن بين أهم المطالب المطروحة على مستوى الجماهير الواسعة و حتى بعض المنظمات الرسمية والمجتمع المدني، التوجه نحو التطبيق الفعلي للإعدام على غرار أمريكا والسعودية واليمن وباكستان، بالخصوص في حالات المساس بأمن الدولة والخيانة العظمى والقتل.

  في الأخير، نجد أن الجوانب الإيجابية لهذا المشروع، تبعث للتفاؤل وهي عبارة عن نقاط طرحتها اللجنة المخولة للنقاش الموسع، وليست مواد مؤكدة، ولعل بعض المقترحات المقدمة في هذه الدراسة المتواضعة، تلقى الآذان الصاغية والمتابعة، ومن المؤكد أنه سيتم تدارك النقائص ومحاولة الإلمام بالنقاط المطروحة.  

 

إضافة تعليق جديد