زهور غربي
تعتمد اليوم الكثير من الشركات السينمائية الكبرى على مؤسسات فنية مستقلة تتولى مهمة إنجاز الأفيشات والملصقات الخاصة بأعمالها السينمائية، وكذا صور أبطال هذه الأعمال .. ومن النادر أن تجد لها رسما كلاسيكيا لعله اعتمد على تقنيات في غاية البساطة لكنها تحقق الهدف...
إنها الزاوية التي اختار الرسام الجزائري شمس الدين بلعربي التخصص فيها، ليبرع فيحلق بعيدا في المجال... إنه يحط الرحال في أكبر الأستوديوهات العالمية.."هوليود" لتقلّده بالإفريقي العربي الوحيد في مجال الأفيش الكلاسيكي للأفلام....
دعونا نتعرف عليه وعلى مساره الطويل في هذا الحوار...
* حدثني عن شمس الدين بلعربي وعن بدايتك مع رسم ملصقات الأفلام ؟
بعد بسم الله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله.. إسمي الكامل شمس الدين بلعربي و إسمي الفني : chemsou belarbi - belardi، من مواليد 14 فيفري 1987 بمستغانم.
في البداية كنت أعيش في قرية عين تادلس في مستغانم غرب الجزائر، وكنت أرعى الغنم مع خالي رحمه الله.. و بينما كنت أمارس مهنة رعي الغنم في سن الخامسة، كانت تمر بجانبي صفحات الجرائد، و كانت تجذبني الصور البراقة لنجوم السينما، فألتقط هذه الجرائد من على الأرض وأتمعن فيها وأرسمها بالعود في الرمال.. وعندما بلغت سن السادسة انتقلت إلى المدينة لكي أدخل إلى المدرسة، وفي المدرسة بدأ المعلمون يكتشفون موهبتي وبدأت أعطي الأهمية لمادة الرسم أكثر من باقي المواد مثل الرياضيات والفيزياء.
ولكن أنا من عائلة جد فقيرة واضطررت إلى التوقف عن الدراسة والخروج إلى الشارع لامتهان الرسم كحرفة، مثل تزيين المحلات التجارية والديكور... من هنا بدأت حكايتي مع احتراف الرسم.
* من كنت تقلد ؟
كنت متأثرا بالرسام Patrick ganino والرسام Tom Bachtell وعبد المولى عبد الباقي و كثيريين.
* هل كنت ترسم شيئا محددا أو أي منظر تصادفه ؟
كنت أميل لرسم الشخصيات التاريخية والوطنية وملصقات الأفلام.
* ما كان موقف عائلتك.... كل الأسر الجزائرية تريد ابنا طبيبا أو أستاذا ؟
حقيقة أخت زهور، ذهنية الأسر تركز على هاتان المهنتان الشريفتان، بحكم أن أستاذ الرسم مثلا نجد أن عامل النقطة لديه هو الأضعف في المدرسة والمؤسسة التربوية، بحكم أنه فن ترفيهي، لكن الرسم مثلا له علاقة مباشرة مع العلم والطب والهندسة وباقي العلوم، إهمالنا لفن الرسم في هذه العلوم هو سبب انحطاط المستوى، لأن في الغرب يعتمدون على الفنانين المحترفين كعلماء وهذا سبب من أسباب التقدم.
* كيف صقلت موهبة العصامي الرسام ؟
صقلت موهبتي عن طريق البحث والإكتشاف والممارسة وقراءة كتب الفن التشكيلي.
* حدثنا عن تجربة رسم ملصقات الأفلام الأمريكية وكيف تواصلت مع المنتجين والمخرجين العالميين ؟
انتشار رسوماتي في هوليوود بدأت نواته من الشارع الذي كان قاسي جدا، حيث تعرضت للاستغلال من قبل عديمي الضمير، الذين سرقوا طاقتي الفنية، وفي بعض الأحيان كنت أعمل عند أشخاص، وعندما أطلب أجرا مقابل عملي كنت أتعرض للتهديد وكنت صغيرا، فكنت أعمل تحت أشعة الشمس الحارقة، و أحمل السلالم الحديدية وأنا ضعيف الجسد، حيث أن الشمس كانت تسخن السلالم الحديدية فأحملها بحروق في يدي...
وبالمقابل كنت ألتقي مع أشخاص اعتنوا بي وقدموا لي يد المساعدة.. وكنت أمر بجانب قاعات السينما أشاهد الأفيشات والصور الضخمة لنجوم السينما عند أبواب القاعة، وعندما أعود إلى البيت أرسم كل ما شاهدته على أوراق الرسم.
والمشكلة أننا كنا نعيش في بيت واحد نطبخ فيه وننام فيه وكنت أرسم في وسط هذا الضيق، وأرسم بصبر، زد على ذلك البيت كان مكسور السقف جزئيا وكنا نعاني في فصل الشتاء، حيث أتلفت الكثير من رسوماتي بسبب المطر.. وبدأت أفكر في إرسال أعمالي الفنية إلى الخارج.. وفعلاً أرسلت كل الرسومات إلى شركات الإنتاج السينمائية عن طريق البريد، وبدأ الناس ينعتونني بالمجنون، ولكن توكلت على الله، لأنه هو من أعطاني هذه الموهبة، وواصلت المثابرة والعمل.. ولكن مرت السنوات ولم أتلقى أي رد، وواصلت العمل في الشارع، لكن بسبب المشاكل تأثرت صحتي ودخلت في مرحلة صعبة جدا، وبدأت أعمل في المعامل، وتأثرت صحتي أكثر، فدخلت المستشفى مدة ثلاثة أشهر.
وبعدها بدأت حالتي في التحسن، حتى جاء يوم تلقيت فيه رسالة من منتج أرجنتيني يعمل بالشراكة مع "هوليوود"، حيث عرّف بأعمالي في الأوساط السينمائية وبدأت أتلقى الطلبات من المخرجين والمنتجين، وعملت الكثير من ملصقات الأفلام العالمية، أذكر منها "The News".. و "Honor" و "Garra Mortal" و "Bucks of America" و الفيلم الوثائقي الكبير "Chinese Hercules The BOLO YEUNG Story".
كما عرضت أعمالي الفنية في مهرجان كان السينمائي الدولي ومهرجانات الأوسكار وسيزار، فشاهد أعمالي الممثل الهوليودي "JIMMY GOURAD" واتصل بي، ثم قام بزيارتي وكرّمني، وبعدها تمت دعوتي للمهرجان العالمي للسينما، ودعاني الممثل الهوليوودي الشهير "TONG POO" الذي يعتبر من أساطير هوليوود، وله أفلام شهيرة رفقة روجي مور وآخرين، أين اتفقنا على مشروع عمل وبعدها جاء وفد من خبراء سينمائيين إلى الجزائر، وكان رئيس الوفد الممثل العالمي "RAMDAN GOURAD"، حيث كرموني في حفل كبير على أساس أني إفريقي مازال يصمم ملصقات الأفلام العالمية بالطريقة التقليدية، أي عن طريق الرسم والفن التشكيلي.
* أي ملصق الفيلم الأقرب إليك ؟
ملصق فيلم "THE BOX" هو الأقرب إلى قلبي.
* ما هي المواد التي تعتمد عليها في الرسم ؟
في البداية كنت أستعمل ألوان الأطفال وأستعمل حتى الشاي والقهوة وقشور الرمان لتلوين الملصقات، وهذا ما ميزني عن بقية الفنانين، حيث أنني كنت فقير وليس لدي المال لشراء أدوات الرسم المحترفة، ورغم ذلك اشتهرت أعمالي في العالم، وهذا بفضل الله سبحانه وتعالى.
* ماذا أضافت لك هذه التجربة ؟
هذه التجربة أضافت لي الكثير، حيث روجت للمناطق السياحية في الجزائر والثقافة الجزائرية، حيث تعرّف الكثير من شعوب العالم على الثقافة الجزائرية والأماكن السياحية، من خلال رسوماتي، وهذا واجب.
* كيف تمكنت من نشر قصتك في كتاب Buks of America ؟
نعم البداية كانت عندما صممت ملصق الفيلم التاريخي الضخم "BUKS OF AMERICA" من إخراج "Robert Gatewood" والأسطورة "Aki Aleong"... بعدها أنتجت مؤسسة "هوليوود" العالمية كتاب عن الفيلم، والذي يؤرخ لمعارك استقلال الولايات المتحدة الأمريكية، وتواصل معي المخرج وطلبت بتسجيل قصة مسيرتي الفنية باللغة العربية من أحد المشرفين على إنتاج كتاب "BUKS OF AMERICA" الهوليوودي.... و فعلاً سجلوا قصتي باللغة العربية والحمد لله هذه أول مرة في تاريخ هوليوود تسجل قصة باللغة العربية في كتاب إنجليزي أمريكي هوليوودي والحمد لله.
* هل لنا بتفاصيل عملك الفني الذي يكرّم ضحايا التفجيرات النووية في رقّان ؟
عملت رسمة جديدة تعبّر عن ضحايا التفجيرات النووية بمنطقة رڨان، لشهداء وضحايا التجارب النووية للاستعمار الحقير.. حيث أخذت مني جهد كبير وكبير جدا من البحث عن صور الضحايا، ومنهم من لم تكن صورهم واضحة فرسمتها كما هي حتى أكون حقيقي مع ضميري ومع الصورة، و هذا تكريما وترحما على أرواح هؤلاء الشهداء الأطهار، وهدفي من رسم الضحايا هو لكي لا يصبحوا رقم فقط، بل صور من الذاكرة.. لم أستطع أن أجمع صور كل الشهداء والضحايا لكن اجتهدت حسب طاقتي.
* الفنان إنسان مرهف لا يمكن أن لا يتأثر بما يحصل بمحيطه.. كيف ترجمت ذلك بعد هول المصاب بغزة ؟
فعلا القضية الفلسطينية جزء من هويتنا وتاريخنا، وما حدث مؤخرا من مجازر في حق هذا الشعب الأعزل، خاصة بحق الأطفال، دفعني لرسم لوحة جمعت فيها صور الأطفال الذين ارتقوا شهداء واهديت لهم هذه اللوحة، والتي حملت عنوان "ورود غزة"، حتى لا يبقوا مجرد أرقام بل رسمة وصورة ولوحة وذكرى... رحم الله كل الشهداء..
وقد اختيرت هذه الرسمة من قبل مبعوث الأمم المتحدة لرعاية الطفولة نجم هوليود "Vincent Lyn" في تقريره عن ضحايا الحرب على غزة، والذي نشره موقع "Medium" الأمريكي .
* شمسو هل تحتفي بك الأوساط الثقافية في الجزائر كما يجب، خاصة وأنك حملت اسم الجزائر للعالمية ؟
بالنسبة للإعلاميين هم مشكورين كلهم ساعدوني على إسماع صوتي، وبالنسبة للمثقفين الكثير منهم بارك لي، أما بالنسبة لوزارة الثقافة، لم تستطع أن تكتب حتى تهنئة على صفحتها على الفيسبوك، والسبب مجهول.
ما يحز في نفسي، حين تسألني الصحافة الأجنبية: هل كرّمتك وزارة الثقافة الجزائرية، أجد إحراج كبير وأتهرب من السؤال خوفا على سمعة البلد.. يوجد شخص فقط رد لي الاعتبار هو الوزير السابق المكلف بالصناعات السينماتوغرافية يوسف سحيري، الذي أرسل لي رسالة تشجيعية ودعمني.
* ما هو أقصى طموحاتك ؟
تأسيس مدرسة لتعليم التصميم الكلاسيكي لملصقات الأفلام، حتى يبقى هذا الفن جزائري، لأنني صنفت كآخر فنان في إفريقيا والعالم العربي الذي مازال متخصص في هذا المجال، حيث عرض التلفزيون الكندي مؤخراً حصة كاملة عن مسيرتي الفنية واختصاصي في هذا المجال، والتي قدمها الإعلامي الشهير الدكتور كمال بن كيران.. وحتى مجلة Influential people" "Magazine الأمريكية أعدت تقريرا مطولا عن مسيرتي الفنية وعن اختصاصي في مجال الملصقات كآخر إفريقي في هذا المجال.
* لمن تدين بنجاحك ؟
أولا أحمد الله على نجاحي لأن الطريق للعالمية شبه مستحيل، نظرا للصعوبات الكبيرة والتضحيات بكل شيء تملكه لولا تسهيل الله، و أشكر الوالدين الكريمين اللذان شجعاني و دعّماني وأشكر كل شخص وقف بجانبي ودعّمني.. و أشكرك أنني أيضا أختي زهور على تشجيعك الدائم لي وعلى إعطائي هذه الفرصة لإسماع صوتي ولموقع "الجزائر برس".. شكرا لكم.
إضافة تعليق جديد